أهم المعيقات أمام بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين

أهم المعيقات أمام بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين

أهم المعيقات أمام بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين


| وثائق النهج الديمقراطي| الطبقة العاملة

لعل أخطر عرقلة وعائق أمام بناء الطبقة العاملة لحزبها المستقل عن البرجوازية وأدواتها السياسية المختلفة هو الهجوم الأيديولوجي القوي والشامل للرأسمالية الذي يستهدف القضاء على الماركسية وتجريد الطبقة العاملة من أدواتها النضالية وزرع اليأس والاستسلام للواقع القائم وسط المثقفين الثوريين الماركسيين. ويرتكز هذا الهجوم إلى فكر ما بعد الحداثة والوهم الديمقراطي واعتبار أن الاشتراكية فشلت فشلا نهائيا لا رجعة فيه. ويتمثل خطر هذه الأفكار في كونها تخترق التنظيمات اليسارية، بما فيها الماركسية التي تعمل من أجل بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين. وبدون دحض هذه الأفكار واسترجاع الماركسية لوهجها والاشتراكية لراهنيتها كبديل عن الرأسمالية المتعفنة، يصعب شحذ همم المثقفين الثوريين والطلائع العمالية والكادحة.

1.1. فكر ما بعد الحداثة:

يحاول فكر ما بعد الحداثة تفكيك الفكر التقدمي الذي تبلور في حركة الأنوار وفي الثورة الفرنسية وعرف نقلة نوعية في الماركسية، وذلك من خلال:

– نفي الصراع الطبقي وتعويضه بنضالات مشتتة ضد أنواع من الاضطهاد تخترق الطبقات ( الجنس، الهوية الإثنية أو الدينية أو العرقية…). والغائب هنا هو النضال ضد الرأسمالية. والحال أن هذه الأشكال من الاضطهاد حقيقية ولا يصح اعتبارها ثانوية أو مؤجلة إلى حين انتصار الثورة، بل يجب العمل من أجل أن تتمفصل هذه الحركات المشتتة مع الصراع الطبقي من خلال تبيان أن جل القضايا التي تطرحها تمظهرات لأنماط إنتاج سابقة تستعملها الرأسمالية لتفتيت وحدة الطبقة العاملة وعموم الكادحين وإحكام سيطرتها على المجتمعات، وفضح دور الرأسمالية، في مرحلتها الحالية، في بروز هذه الحركات وتهيكلها من خلال إضعاف الدور الاجتماعي للدول لفائدة تضخم دورها القمعي، خاصة في دول المحيط الرأسمالي، ومسئولية الرأسمالية في تهميش مناطق متعددة وشاسعة من خلال تمركز النشاط الاقتصادي والثروة في بضع متروبولات ومدن كبيرة بالأساس، وخاصة في دول المركز الرأسمالي.

لذلك فإن الناس، لحماية أنفسهم من همجية الرأسمالية، ينطوون على هوية خاصة، إما مرتبطة بالبنية الفوقية (الدين، الهوية الإثنية…) أو بفئة معينة أو منطقة مهمشة، وذلك على حساب هويتهم كمواطني ومواطنات دولة معينة وكأعضاء وعضوات هذه الطبقة أو تلك؛ لذلك يجب علينا توحيد هذه الحركات المشتتة وإدماجها في النضال العام من أجل الإنعتاق من الاضطهاد والاستغلال وأن نجعل منها رافدا ورافعة للصراع الطبقي، ومن هذا الأخير دعما قويا لها.

وعكس التصور الذي ينفي الصراع الطبقي، هناك داخل اليسار طرح يتشبث بالصراع الطبقي ودور الطبقة العاملة المركزي في التغيير وضرورة النضال من أجل القضاء على الرأسمالية باعتبارها المسئولة عن الكوارث التي تعاني منها البشرية. ولذلك فهو قد يذهب، في الحالات القصوى، إلى اعتبار أن أدوات النضال الوحيدة هي الأدوات الطبقية (الحزب، الجبهة والنقابة). أما في أغلب الحالات، فإن هذا الطرح يبخس دور الحركات الشعبية والاجتماعية المتعددة والمشتتة إلى حد حصر العلاقة بها في التضامن معها من خارجها وليس الانخراط فيها، وذلك لأن أصحاب هذا الطرح لا يعون أنها، في العمق، تعبيرات موضوعية وقارة وغير عابرة عن مقاومة العولمة الرأسمالية أو، وهذا هو الأخطر، هناك من يعتبرها، لكون الرأسمالية قد تستعملها لإضعاف الدول وتفتيتها ولتخريب الوعي الطبقي، حركات رجعية بل حتى أنها من صنع الامبريالية في إطار نظرية المؤامرة. إن هذا التصور يجعل اليسار عاجزا على فهم بعض الظواهر كتراجع العمل النقابي والانتماء الحزبي. ففي ظل انتشار الهشاشة وسط الطبقة العاملة والشغيلة وصعوبة العمل النقابي وخطورته بسبب العولمة الرأسمالية وتطبيق السياسات النيولبرالية، لا غرابة أن يبحث العامل والأجير بشكل عام على فضاء آخر يظن أنه سيوفر له الحماية والتضامن الذي هو في الحاجة إليه. أما الانتماء الحزبي، فإنه يعني الاقتناع بمشروع ذو بعد وطني إن لم يكن إقليمي أو عالمي. ولذلك نرى أعضاء وعضوات هذه الحركات بسبب انغلاقهم على هوية أو فئة أو منطقة معينة، في العديد من الأحيان، يتحفظون عن الانتماء الحزبي أن لم يكن يحاربونه أو يطرحون بناء قوى سياسية على أساس هوياتي.

إن نفي كون الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة والبرجوازية في نمط الإنتاج الرأسمالي هو الصراع الأساسي له نتيجة مباشرة وهي أن الطبقة العاملة ليس لها دور حاسم في التغيير وأن هذا الدور منوط بالنخب.

إن نفي الصراع الطبقي بين البرجوازية والطبقة العاملة له أيضا نتائج تنظيمية ملموسة تتمثل في أن أدواته (النقابة كأداة للنضال الاقتصادي والحزب كأداة للنضال السياسي) أصبحت متجاوزة ويتم تعويضها بالحركات الاجتماعية والمجتمع المدني الذي تسيطر عليه المنظمات الغير حكومية الممولة، في الغالب، من طرف المؤسسات الإمبريالية.

وخلافا لما سبق، فإن أعظم ثورة عرفها العالم (ثورة أكتوبر1917) وحركات التحرر الوطني التي استطاعت دحر الامبريالية كانت تحت قيادة أحزاب و أو جبهات وليس حركات شعبية. ولعل السيرورات الثورية في العالم العربي تبين، في نجاحاتها ومآزقها، الأهمية القصوى لأدوات الصراع الطبقي وضرورة تمفصلها العضوي مع الحركات الاحتجاجية الشعبية. فهذه الأخيرة وليس الطبقة العاملة هي من كان المبادر لإطلاق السيرورات الثورية. لكن الحاسم كان هو تدخل الطبقة العاملة، إما بواسطة المركزية النقابية في حالة تونس، أو تجاوزا للنقابات الرسمية كما وقع في مصر. ولكن ضعف أو غياب الأداة السياسية للطبقة العاملة وعموم الكادحين سهل هجوم القوى المضادة للثورة وعرقلتها لإنجاز مهاما.

على عكس الماركسية، وخاصة المادية التاريخية التي تعتبر أنه، منذ ظهور الطبقات، وتاريخ البشرية يشهد التقدم من نمط إنتاج إلى نمط إنتاج أرقى، تعتبر نظرية ما بعد الحداثة أن تاريخ البشرية وليد الصدف الناتجة عن هذه النضالات المشتتة. ونتيجة هذه النظرية هي أنه من الوهم بل من الخطورة بمكان النضال من أجل التغيير الجذري الشامل. بل يذهب بعض منظري ما بعد الحداثة إلى اعتبار أن الثورات لم تؤد سوى إلى بناء أنظمة شمولية. والهدف هو زرع اليأس وسط المناضلين والمناضلات، بل تجريم نضالهم ضد الرأسمالية.

2.1. الوهم الديمقراطي:

يخترق الوهم الديمقراطي العديد من المنظمات اليسارية، بما فيها الماركسية، ويتمثل في اعتبار أن التغيير الجذري يمكن أن يتم من خلال الانتخابات التي تقدم وكأنها أعظم تعبير عن الديمقراطية وتعطي نفس الحظوظ للجميع. والحقيقة أن شروط اللعبة “الديمقراطية” تحددها الدولة التي هي في خدمة الكتلة الطبقية السائدة والتي تتوفر على إمكانيات هائلة توظفها لصالح الطبقات السائدة وضد الطبقات المسودة (احتكار العنف، السيطرة على وسائل الإعلام، توظيف القضاء، تدخل أجهزة وزارة الداخلية ودور المخابرات…).

إن ما سبق لا يعني بتاتا احتقار العمل العلني والقانوني والرفض القاطع والنهائي للانتخابات. بالعكس، إن من واجب الماركسيين استغلال إمكانيات العمل العلني والقانوني إلى أقصى الحدود، لكن عدم اعتباره الأسلوب الوحيد.

3.1. الإشتراكية غير قابلة للحياة:

اعتبار أن الاشتراكية لا يمكن إلا أن تفشل لأن الإنسان، ب”طبيعته” أناني وفرداني. بينما هذه “الطبيعة” ما هي إلا نتاج للرأسمالية التي ترتكز إلى التنافس، بل الصراع بين الناس.

لا بد من دحض هذه الإدعاءات والدراسة المعمقة لتجارب بناء الاشتراكية وفشلها، بعيدا عن النظريات التبسيطية التي تحمل كل المسئولية لستالين أو لمؤامرات داخلية وخارجية. لا بد من تحليل الظروف الموضوعية (الحرب الأهلية، تخلف قوى الإنتاج، العدوان النازي…) والذاتية (الأخطاء والنواقص المتمثلة في الضعف النظري فيما يخص تثوير علاقات الإنتاج ودور الحزب بعد الثورة وعلاقته بالدولة والتعددية الحزبية وهل الصراع الطبقي يتوقف بعد الثورة أم يصبح أكثر شراسة…). كما يجب أن نستفيد من التجارب الحالية لتجاوز الرأسمالية (تشياباس، الاقتصاد التضامني، الديمقراطية المباشرة،،،) ومن الفكر التقدمي فيما يخص حقوق الإنسان وحقوق المرأة والحفاظ على البيئة… لتجديد المشروع الاشتراكي الذي يشكل أمل البشرية للتخلص من البربرية وخطر الفناء الذي تتجه نحوه الرأسمالية المتعفنة.