طوفان الأقصى: السياق والانعكاسات والدروس

طوفان الأقصى: السياق والانعكاسات والدروس
الرفيق عبدالله الحريف عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي

تنويه: سبق لجريدة النهج الديمقراطي أن نشرت في عددها رقم 530 خطأ مقالا باسم الرفيق ع.باعزيز، بينما المقال لصاحبه الرفيق عبدالله الحريف. لذا نعيد نشره ونعتذر للرفيقين.

طوفان الأقصى: السياق والانعكاسات والدروس

سنتطرق فيما يلي لأهم سمات السياق الذي أتى فيه طوفان الأقصى وأبرز إنعكاساته وبعض دروسه.

1. السياق:
* فلسطينيا:

– لعل العنصر الأهم والحاسم هو صمود وتقوية وتوحيد المقاومة المسلحة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية وفي مخيمات الفلسطينيين في لبنان.
– تطور مهم لنضال الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة في 1948 وفي الشتات.
– فشل الرهان على النضال السلمي كأسلوب أساسي ضد عدو إرهابي وفاشي وعنصري واستيطاني واستئصالي وبروز الضرورة القصوى للمقاومة المسلحة كأنجع اسلوب لمواجهة هذا العدو.
– انكشاف وهم حل الدولتين الذي دأب الكيان الصهيوني، بشكل منهجي،
على إقباره: الكيان الصهيوني يسرع الاستيطان في الضفة الغربية (500000 مستوطن) ويعمق التمييز العنصري والقمع ضد الفلسطينيين.

* إقليميا:

– وحدة محور المقاومة المشكل من المقاومة الفلسطينية وحزب الله وسوريا وإيران والمقاومة في العراق واليمن.
– استمرار السيرورات الثورية في المنطقة العربية والمغاربية التي أدت إلى تراجع خوف الشعوب من الأنظمة السائدة التي فقدت، إلى حد لا بأس به، مصداقيتها ومشروعيتها واعتماد الشعوب على قواها الذاتية، وذلك كتجسيد لمرحلة متقدمة من نضال التحرر الوطني لشعوب المنطقة من هيمنة الأمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والأنظمة العميلة لها.
– التقارب السعودي/الإيراني والتحاق السعودية ومصر والإمارات بالبريكس أديا إلى تفكك اصطفاف عدد من أنظمة المنطقة مع الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني ضد إيرانوشجع هذه الأنظمة على رفض الإصطفاف التام مع الغرب في معركة “طوفان الأقصى”.
– مواجهة شعوب العالم العربي والمغاربي للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

* دوليا:

– ركود مستدام لاقتصاد الكتلة الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الذي تواجهه هذه الكتلة بتعميق الهجوم الرأسمالي المتوحش على المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية وعلى الحقوق والحريات في بلدانها وتصعيد النهب والاستغلال في الدول التابعة. الشيء الذي يؤدي إلى احتداد الصراع الطبقي في مختلف مناطق العالم.
– انفضاح متزايد للجوء هذه الامبريالية، بسبب تعمق أزمتها، إلى الفاشية لمواجهة النضالات الاجتماعية والديمقراطية لشعوب بلدانها ولنضالات التحرر الوطني للشعوب التي ترزح تحت سيطرتها.
– وعي شعبي عالمي متزايد بكون هذه الكتلة الأمبريالية هي أشرس عدو للشعوب وأخطر تهديد للأمن والسلام واستمرار الحياة في المعمور.
– تطور هام للنضال التحرري لشعوب إفريقيا ضد هيمنة هذه الكتلة الامبريالية، وخاصة ضد الامبريالية الفرنسية في غرب هذه القارة.
– سرعت الحرب في أوكرانيا تشكل عالم متعدد الأقطاب وبروز الصين وروسيا كقوى عظمى صاعدة تواجه هيمنة الأمبريالية بقيادة الولايات
المتحدة الأمريكية. الشيء الذي يضعف هذه الأمبريالية ويوفر، بالتالي، شروطا أحسن لنضال الشعوب من أجل تحررها الوطني من هيمنة هذه الكتلة الامبريالية والأنظمة المحلية العميلة لها.
– انفضاح غير مسبوق للكيان الصهيوني ككيان عنصري واستعماري واستيطاني وارهابي وفاشيومجرم وازدياد معتبر لتضامن شعوب العالم مع الشعب الفلسطيني.
– المزيد من انكشاف دور هذا الكيان كقاعدة أمامية للامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية موجهة ضد شعوب العالم العربي والمغاربي والشرق الأوسط عموما لفرض هيمنة هذه الكتلة الأمبريالية والصهونية على المنطقة ومواجهة قوى التحرر الوطني فيها.
– فقدان الدعاية الامبريالية والصهيونية، إلى حد كبير، لمصداقيتها بسبب الأكاذيب والتلاعب بالحقائق الذي تمارسه بشكل منهجي.

وخلاصة القول أن الشروط التي انطلق فيها “طوفان الأقصى”، فلسطينيا وإقليميا ودوليا، إيجابية بالنسبة لنضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرره من الهيمنة الإمبريالية والصهيونية لم تتوفر من قبل بهذا الشكل. كما أنها إيجابية بالنسبة للنضال التحرري لشعوب العالم العربي والمغاربي.

2. الانعكاسات:

– أحدث طوفان الأقصى زلزالا في الكيان الصهيوني حطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر والمخابرات التي لاتغيب عنها الشاذة والفاذة.الشيء الذي أدى إلى فقدان العدو الصهيوني وأسياده الغربيين صوابهم ودفعهم إلى ارتكاب حماقات وفضاعات لا تعد ولا تحصى تزيد من فضح طبيعتهم الفاشية ومن تعميق عزلتهم الدولية.
– استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تدمر الفرقة الإسرائيلية العسكرية والأمنية والمخابراتية الخاصة بغزة وأن تستولي على وثائقها المكدسة في حواسيبها وغيرها من الأجهزة الإلكترونية. وهو صيد ثمين حرم الكيان الصهيوني من المعطيات التي راكمها عن غزة وعن المقاومة وجعله يدمر غزة بشكل أعمى وعشوائيوهمجي ودون حدود، وكأنه يريد تهديم كل غزة على رأس ساكنيها.
– أصبحت القضية الفلسطينية التي كان الكيان الصهيوني يريد إقبارها إلى الأبد من خلال تسريع التطبيع، خاصة مع السعودية، واتفاقيات أبراهام، تحتل موقع الصدارة على المستوى الدولي كقضية تحرر وطني لشعب تعرض، منذ أزيد من 75 سنة، إلى التقتيل ومحاولات الطرد من أرضه ومحو هويته. وفي المقابل، انفضحت، بشكل غير مسبوق، طبيعة الكيان الصهيوني الإجرامية والإرهابية والفاشية والمنتهكة للقوانين الدولية ولمقررات الأمم المتحدة والتي لا تتواني عن إرتكاب جرئم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بل حتى إبادة الشعب الفلسطيني.
– تسريع وتعميق الوعي لدى الأغلبية الساحقة من شعوب العالم بأكاذيب الصهاينة واسيادهم الامبرياليين حول الكيان الصهيوني ك”واحة الديمقراطية والحضارة” في محيط عربي يرزح تحت الدكتاتورية و”البربرية”.
– توسع، بشكل لم يسبق له مثيل، للتضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية في جل مناطق المعمور، بما في ذك في عقر دار الأمبرياية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكة رغم القمع والترهيبالذي تعرضت له المظاهرات المساندة للقضية الفلسطينية.
– بروز القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني من الاستعمار الصهيوني, بالنسبة للشعب الفلسطيني وكقضية تحرر وطني لشعوب العالم العربي والمغاربي والشرق الأوسط من هيمنة الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي يشكل الكيان الصهيوني قاعدتها الأمامية ورأس رمحها في المنطقة.
– إفشال المشروع الأمريكي بإقامة حلف عربي-إسرائيلي تحت قيادة الكيان الصهيوني (كانت حلقته المتقدمة هي تطبيع السعودية مع الكيان الصهيوني) في مواجهة محور المقاومة وضمان التهدئة في المنطقة عبر تصفية القضية الفلسطينية لنقل مركز الثقل العسكري الأمريكي نحو الشرق الأقصى لمواجهة الصين.
– عرقلة مشروع الممر الذي يبتدئ في الهند ويمر عبر الخليج وينتهي في اليونان والذي اتفقت سبع دول من الاتحاد الأوروبي، بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية، على انشائه والذي يهدف إلى أن يكون بديلا للمشروع الصيني حول الطريق والحزام وإلى تسريع التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني.
– إن هذه الانعكاسات إيجابية بالنسبة للقضية الفلسطينية. لكن الملاحظ هو أن سلوك أغلبية الأنظمة العربية اتسم بالتخادل حيث اكتفت بالمطالبة بتوقيف تقتيل الشعب الفلسطيني ولم تتراجع الدول المطبعة عن التطبيع مع الكيان الصهيوني.

3. الدروس:

– يمثل طوفان الأقصى لحظة فارقة في نضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرره وتقرير مصيرهودحر الكيان الصهيوني المغتصب لأرضه والممعن في محاولات محو هويته وتهجيره، لحظة تشحذ همم شعوب منطقتنا وشعوب العالم أجمع وتعطي دفعة قوية للسيرورات الثورية في العالم العربي والمغاربي الهادفة إلى انجاز مهام التحرر الوطني والسيادة الوطنية الكاملة على الأرض والخيرات الوطنية ولنضال شعوب العالم من أجل الانعتاق من هيمنة القطب الواحد المشكل من الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبناء عالم متعدد الأقطاب، عالم أكثر عدلا وأكثر مساواة وسلاما. ولذلك على كل القوى والأنظمة التي ترفض و/أو تواجه هيمنة القطب الواحد أن تتوحد في أوسع جبهة ممكنة وأن تبدل كل الجهود وأن تقدم كل الدعم لمعركة “طوفان الأقصى” وأن تعي أن انتصار المقاومة الفلسطينية في هذه المعركة هو انتصار لها لأنه سيضعف الأمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال إضعاف قاعدتها الأمامية في هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية بالنسبة لهذه الكتلة الامبريالية.
– إن الحرب في أوكرانيا ضد الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وطوفان الأقصى يؤشران على دخول العالم مرحلة جديدة من نضال الشعوب ضد القطب الواحد، مرحلة سيشتد فيها الصراع الطبقي في مختلف بقاع العالم وسيتخد أشكالا أكثر راديكالية قد تصل حد الكفاح المسلح في مواجهة انتشار الفاشية على أوسع نطاق كأهم أسلوب تلجؤ له الكتلة الامبريالية للتصدي لتفاقم أزماتها الإقتصادية والسياسية والاجتماعية.
– أرجع طوفان الأقصى الوهج للكفاح المسلح باعتباره الأسلوب الأساسي والذي لا مفر منه لمواجهة والانتصار على تغول وفاشية الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.