أي مشروع تنموي في ظل الاستبداد والفساد؟

أي مشروع تنموي في ظل الاستبداد والفساد؟

 أي مشروع تنموي في ظل الاستبداد والفساد؟


ظل الخطاب الرسمي يفتخر ب “النموذج التنموي المغربي” ويعتبره مثالا للنجاح، وطريقا للازدهار والرخاء، ليس فقط للمغرب، بل لكل الدول الإفريقية، إلى حدود افتتاح دورة البرلمان لشهر أكتوبر من السنة التشريعية 2017-2018؛ وفي هذا التاريخ أعلن رئيس الدولة على أن هذا “النموذج التنموي” قد بلغ مداه، مما شكل اعترافا صريحا بالفشل العام لسياسة المخزن؛ ودعا إلى التفكير في بلورة مشروع تنموي جديد؛ كما طلب من الأحزاب ومختلف المؤسسات والإطارات تقديم مقترحاتها وأفكارها في هذا الشأن وأعلن عن ضرورة تشكيل لجنة لإعداد مشروع لهذا النموذج. إثر ذلك توالت الخطابات والندوات والتقارير حول هذا الموضوع إلى غاية يوم الثلاثاء 19 نونبر 2019 ،حيث عين وزير الداخلية الأسبق وسفير المغرب الحالي في فرنسا لرئاسة هذه اللجنة. إن هذا التعيين وحده كاف لفهم نوايا المخزن، ونوعية المشروع الذي سيتم إعداده باستحضار مساره في مختلف الإدارات والقطاعات والمؤسسات، والعقلية التي كان يديرها بها. إن هذا الوضع يفرض طرح عدة أسئلة لعل أهمها: هل النظام المخزني قادر فعلا على تقديم نموذج تنموي للمغرب؟ وأي نموذج تنموي في ظل استمرارية الاستبداد والفساد؟

إن السياسات المتوالية للمخزن قد أنتجت لنا مغربا اتسعت فيه الفوارق الطبقية والمجالية، وتردت فيه الخدمات العمومية إلى حد تجعله يصنف مع الدول التي تعيش الحروب في مؤشر التنمية البشرية، وارتفعت ديونه باستمرار، ويعاني ثلث سكانه على الأقل من براثين الأمية، ويغامر شبابه في البحر هربا من الإقصاء والبطالة والفقر، وتتعدد وتتنوع الاحتجاجات، ولا تتوقف رغم القمع والاعتقالات، للمطالبة فقط بضرورات الحياة كالماء والكهرباء والطرق والصحة والتعليم والسكن والشغل. فهل مثل هذه السياسات يمكن أن نسميها نموذجا تنمويا؟

ورغم كل هذه المآسي التي تعاني منها الجماهير الشعبية، فإن خطاب الدولة حول مظاهر القصور وأسباب فشل “النموذج التنموي الحالي” لا يعيرها اهتمامه إلا من البوابة الأمنية، ويركز دعايته على:

• عدم قدرة هذا “النموذج التنموي” على الحفاظ على التوازنات المالية؛
• تراجع عام لمؤشرات النمو الاقتصادي في ظل هذا النموذج؛
• عدم قدرته على إدامة دعم الاستهلاك باللجوء لسياسة الاقتراض؛
• ضعف أداء القطاع العام وضرورة الاستعاضة عنه تدريجيا بالقطاع الخاص ودعمه وتشجيعه.

ورغم كل ما قيل وما كتب في الموضوع فإن المخزن وأذنابه يستبعدون الحديث عن تحديد المسؤولية عن هذه السياسات الفاشلة وما سببته للمغاربة من كوارث.

إن ما حرك هذا الاعتراف بفشل “النموذج التنموي الحالي”، وسيل النقد الذي تلاه، ليست إرادة النهوض باقتصاد البلاد وبالمستوى المعيشي للمواطنات والمواطنين، وليست الرغبة في تقليص الفوارق الطبقية والمجالية، بل الخضوع لإملاءات المؤسسات المالية الدولية، والتوجهات الجديدة للرأسمالية العالمية، والحرص على خدمة مصالح الكتلة الطبقية السائدة محليا.
إن المشروع المخزني، الذي يراد تمريره، لن يكون نموذجا تنمويا جديدا، كما يصرح بذلك دعاته، بل هجوما شاملا على الحقوق والمكتسبات الشعبية، وتخليا للدولة عن الخدمات العمومية، وتفكيكا للقطاع العام باسم الجهوية المتقدمة من أجل تسهيل عمليات خوصصته، ومزيدا من الاستبداد والفساد، وتعميما لسياسة الريع، وخضوعا كاملا لجشع الرأسمالية وتغول المخزن. فلا جهوية بدون ديمقراطية، ولاوجود لنموذج تنموي في ظل الاستبداد والفساد. ولدينا في تاريخ الأنظمة الحاكمة في العالم العربي والمنطقة المغاربية وما تعيشه من سيرورات ثورية ما يؤكد ذلك.

إن الكتلة الطبقية السائدة في المغرب عاجزة عن إنجاز مهمتي التحرر والديمقراطية نظرا لطبيعتها الطبقية ولارتباط مصالحها بمصالح الرأسمالية العالمية. ومعلوم أن أي بديل تنموي يتطلب القضاء أولا على الاستبداد والفساد وبناء مجتمع الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والمراجعة الشاملة لآليات إنتاج وتوزيع الثروات.