في الذكرى الخامسة والثلاثين لاستشهاد التهاني أمين : شهادة للرفيق مصطفى براهمة الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي

في الذكرى الخامسة  والثلاثين لاستشهاد التهاني أمين : شهادة للرفيق مصطفى براهمة الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي

tahani في الذكرى الخامسة  والثلاثين لاستشهاد التهاني أمين : شهادة للرفيق مصطفى براهمة الكاتب الوطني للنهج الديمقراطيفي الذكرى الخامسة والثلاثين لاستشهاد التهاني أمينbrahma-505x500 في الذكرى الخامسة  والثلاثين لاستشهاد التهاني أمين : شهادة للرفيق مصطفى براهمة الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي
شهادة للرفيق مصطفى براهمة الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي

من الصعب تقديم شهادة عن شهيد ضحى بأغلى ما لديه أي تضحيته بحياته،من أجل مبادئه وقضايا شعبه وليس كافيا التعبير عن شهادة في حقه ،خصوصا عندما يتعلق الأمر برفيق درب وصديق حميم ،لأنني أدرك مسبقا بجسامة المسؤولية في القول ،لأنه مهما حاولت مجاهدة النفس في ذلك ،لن أفيه حقه .
مناسبة ذلك هو ما أحاول تذكره من خلال حديث جرى بيني وبينه حول تعاملنا مع الشهداء ،ففي تقديره ليس صحيحا المغالاة في ذكر مناقب الشهداء حتى يبدون كأشخاص خارقين للعادة ويتمتعون بطاقات تفوق طاقات البشر الطبيعية وربما بخصال قلما تتوفر في البشر ،الشيء الذي قد يثبط عزيمتهم ،لكن في نفس الوقت عبرنا عن قناعة مشتركة وهي ضرورة استحضار تضحيات الشهداء ومسيرتهم النضالية حتى يكونوا قدوة وملهما لمن يحمل مشعل النضال من أجل الحرية والكرامة لأبناء هذا الوطن .
من هذا الباب سوف أتحدث عن الشهيد التهاني أمين .
إنه ينتمي إلى الجيل الثاني لحركة اليسار الجديد ،ولد في مدينة وجدة من داخل عائلة عريقة في النضال الوطني ،وبهذه المدينة أمضى تعليمه الابتدائي والثانوي وبها أيضا بدأ مسيرته النضالية عبر مشاركته في إضرابات التلاميذ مع مطلع السبعينيات .
التحق بالمدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1974 ،تعرفت عليه بمناسبة تنظيم أنشطة الاستقبال التي كانت تنظمها جمعية المدرسة المحمدية للمهندسين للطلبة الجدد.وكانت تشتمل على ندوات حول الاتحاد الوطني لطلبة المغرب للتعريف بتاريخه وأهدافه وللتعبئة من أجل النضال من أجل رفع الحظر عنه، وكذا ندوات حول القضايا الوطنية والقومية .
أثار الشهيد التهاني أمين انتباه الرفاق لوعيه الوقاد وإدراكه المبكر لمثل هذه القضايا، ومنذ ذلك الحين بدأت مسيرتنا المشتركة.
-ساهم الشهيد في تأسيس مجالس النضال في السرية سنة 1974 وفي توزيع نشرة 4مايو السرية,
-ساهم في تأسيس تيار الطلبة الديمقراطيين سنة 1975 وفي توزيع نشرة 24 يناير.ذلك التيار الذي سيحمل منذ المؤتمر الوطني السادس عشر لاتحاد طلبة المغرب اسم الطلبة القاعديين,
خلال هذه الفترة ،بالإضافة إلى نشاطه السياسي بالرباط مع منظمة إلى الأمام ،لعب الشهيد دورا كبيرا في النشاط الجماهيري الطلابي حيث ساهم في إدارة وتنشيط لجنة فلسطين ،وترأس إدارة الأسابيع الثقافية التي كانت تنظمها جمعية المدرسة المحمدية للمهندسين في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ،وفي ظل الحظر تحمل مسؤولية الكتابة العامة ثم رئاسة جمعية المدرسة المحمدية للمهندسين ،وساهم في تأسيس وإدارة التنسيق الطلابي بين المدارس والمعاهد العليا،ثم بينها وبين الكليات المتوفرة على تمثيلية ،كل هذا إبان الحظر ومن أجل رفع الحظر عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
وبعد رفع الحظر ساهم في التنسيق الطلابي من أجل التهييء للمؤتمر السادس عشر ،وفي هذا الإطار كان يجوب المدن المغربية للاتصال بأعضاء قيادة المؤتمر الخامس عشر لاتحاد الوطني لطلبة المغرب ،ولحثهم على تحمل المسؤولية في التهييء للمؤتمر السادس عشر.
وبعد تخرجه من المدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1980 ضمن الفوج السابع عشر الذي لم يطلق عليه اسم بخلاف لمن سبقوه بسبب عدم رضي السلطة عليه ،وللتذكير تمت عسكرة المدرسة المحمدية للمهندسين سنة 1981 وثم حظر نشاط جمعيتها ،فتم إبعاده إلى مدينة الرشيدية في إطار الخدمة المدنية ،لكنه حول هذا الإبعاد إلى مكسب حيث تابع نشاطه السياسي وعمله الجماهيري بتلك المنطقة بالإضافة إلى مسؤوليته السياسية بارتباط مع مناطق أخرى،وهو ما كان يفرض عليه التنقل ذهابا وإيابا بين الرشيدية ومدن الشمال .
وكان الشهيد يؤدي مهامه بثبات وصبر وإخلاص رغم كل الصعاب ورغم وضعه الصحي ،فقد كان مصابا بمرض الربو ،وكانت تأتيه النوبات بين الفينة والأخرى وفي بعض الأحيان خلال سفره لإنجاز مهامه السياسية .لقد كان الشهيد يدرك المخاطر المحدقة بتلك المهام ،في تلك الشروط ،لكنه كان يصر على إنجازها وعلى استعداده لتحمل المسؤولية.
التحق الشهيد سنة 1982 بشركة لاسمير لتكرير البترول بالمحمدية ،وهناك عزز العمل النقابي في إطار الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وتابع نشاطه السياسي وساهم في التهييء للندوة الوطنية لمنظمة الى الأمام في فبراير من سنة 1983وانتخب عضوا في قيادتها .
تابع نشاطه السياسي وعمله الجماهيري بهذه المدينة الى أن اعتقل سنة 1985 وسيق الى المعتقل السري السيئ الذكر :”درب مولاي الشريف” فعذب ومن ضمن وسائل تعذيبه حرمانه من الرشاشة المضادة لأزمات مرض الربو واضطر الجلادون الى نقله للمستشفى لكن بعد فوات الأوان حيث لفض أنفاسه الأخيرة في 5/6نونبر.
طيلة مسيرته النضالية وطيلة الفترة التي عرفته فيها كان الشهيد صبورا ذا قدرة كبيرة على تحمل المشاق ،فكما أسلفت كان يسافر من الرشيدية إلى مدن الشمال مرورا بالدار البيضاء والرباط لإنجاز مهامه النضالية ،ولم يكن يتلكأ أو يتردد وكلما كان رفاقه يطرحون ضرورة تخفيف العبء عليه كان يرفض.
كان الشهيد أيضا رجل حوار عرف كيف ينسج العلاقة مع مناضلي وأطر مختلف القوى الديمقراطية في القطاع الطلابي وخارجه ،وكان بحق دينامو التنسيق الطلابي إبان الحظر من أجل رفعه ومن أجل التهييء للمؤتمر السادس عشر.
اكتسب الشهيد خبرة كبيرة في التنظيم وبفضله وباقي رفاقه ،استطاع تيار الطلبة الديمقراطيين أن يصبح في فترة وجيزة تيارا جماهيريا وازنا في القطاع الطلابي ،أنتج العديد من الأطر الجماهيرية التي تستمر في النضال وتعزز صفوف المنظمات الجماهيرية بما في ذلك الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بعد فترة القطاع الطلابي .
كان الشهيد ذا نظرة ثاقبة وفكر نقدي يرفض الأكليشيهات والأفكار الجاهزة ،لعب دورا كبيرا في تجديد وتطوير فكر وممارسة حركة اليسار الجديد بصفة عامة من خلال علائقه وكان مرنا سواء في صياغة الموقف والدفاع عنه أو في تصريفه ،كما كان ضد التقوقع والانعزال والتكوين ألحجراتي ،كان رجل العمل الجماهيري والنضال في الساحة الجماهيرية وفي أحلك الظروف وفي ظل القمع الأسود استطاع رفاقه تنظيم حملات الدعاية والتحريض ضد غلاء المعيشة ،ذلك الغلاء الذي سيكون شرارة الانتفاضات الشعبية المتعددة.
كان الشهيد صاحب المهمات الصعبة ذا قدرة فائقة على التخطيط والتنفيذ ،ففي ظل حملة القمع والمطاردات البوليسية التي أعقبت انتفاضة يناير 1984 المجيدة ،استطاع تنظيم إخفاء ثم ترحيل خارج الوطن المناضلين المطاردين رغم حواجز التفتيش .
حقيقة كان التهاني شخصا رقيقا ولطيفا ويعرف كيف يفرح لكن الجلادين لم يتركوه يفرح بعيد الميلاد الأول لابنه أيمن ،سقط شهيدا في ساحة الشرف ومهما قلت عنه أو قاله غيري عنه فلن نفي الشهيد حقه ،يكفيه شهادة أنه استشهد من أجل الوطن.