حوار مع الرفيق معاد الجحري حول الوضع في أمريكا اللاتينية

حوار مع الرفيق معاد الجحري حول الوضع في أمريكا اللاتينية
معاد الجحري

حوار مع الرفيق معاد الجحري حول الوضع في أمريكا اللاتينية

السؤال 1: أولى اليسار في المغرب منذ نشأته وإلى اليوم اهتماما كبيرا بتجارب شعوب أمريكا اللاتينية، وربطته علاقات إيجابية بأحزاب تقدمية هناك. واليوم فان هذه القارة تعرف حراكات شعبية هامة. فما هو تحليلكم لهذه الانتفاضات وما الذي يميزها؟

جواب:
اليسار الثوري في بلادنا محق في اهتمامه بهذه المنطقة بل من الواجب عليه تتبع ما يجري للاستفادة من دروس الصراع الطبقى المحتد جدا هناك وهو أمر لا محيد عنه لاغناء خطه السياسي والفكري وبناء الأممية الماركسية المنشودة.

بالفعل تعرف المنطقة كما جاء في السؤال حراكات واسعة ويمكن التمييز هنا بين ما يجري في بلدان تسيطر عليها أنظمة عميلة للامبريالية الأمريكية مثل الهندوراس والشيلي وأخرى على مستوى بلدان الثورات المواطنة ونقصد هنا الايكوادور.

فقد تميزت المنطقةبهجرة جماعية لآلاف السكان، مشيا على الأقدام،ابتداء من أواسط أكتوبر 2018، من الهندوراس (أزيد من 7 ألاف نازح من هذا البلد) وكذلك من بلدان أمريكا الوسطى المجاورة (السلفادور وكواتيملا)،نحو الولايات المتحدة الأمريكية، بسب تفشي الفقر والجريمة والمخدرات والرشوة في أجهزة الدولة، خاصة القضاء والأمن، وانسداد الآفاق.ففي الهندوراس يعيش 7 مواطنين/ات من أصل 10 تحت خط الفقر، والفوارق الاجتماعية هي الأكبر على مستوى أمريكا اللاتينية برمتها، ويحتل هذا البلد الرتبة 133 في سلم التنمية البشرية برسم سنة 2017.ورغم ولائها للولايات المتحدة الأمريكية، فقد قرر الرئيس ترامب معاقبة هذه البلدان الثلاث بدعوى عدم التحكم في هجرة مواطنيها، وذلك بالمزيد من تخفيض المساعدات الأمريكية لها، كما وجد ضالته في التمسك بقراره بناء الجدار العازل مع المكسيك.لهذه الأسباب، واحتجاجا على تزوير الانتخابات الرئاسية (مارس 2017) وتورط الرئيس خوان أورلندو ارنانديز في الاتجار في المخدرات، عرفت الهندوراس عدة هزات اجتماعية قوية وواسعة نهاية نونبر 2018 لكن تم إخمادها بقمع عنيف.

ويعم الشيلي حراك قوي منذ منتصف أكتوبر 2019 ، حراك نجح في وضع حد للصورة المزيفة التي سوقت لها الطبقات السائدة، والتي تقدم الشيلي على أنه البلد الرائد ونموذج للنمو الاقتصادي وواحة للاستقرار. وفضح الحراك عنف المذهب النيوليبرالي (=الرأسمالية المتوحشة) الذي جرب مبكرا في هذا البلد مع ديكتاتورية بينوشي سنة 1973، حيث تمت خوصصة جميع القطاعات من تعليم وصحة ونقل وتقاعد وغيرها. ما نتج عنه فوارق اجتماعية هي الأعلى من نوعها عالميا بحيث 7 عائلات فقط تتحكم في اقتصاد البلد.ويساهم في الحراك فئات اجتماعية متنوعة وخاصة العمال، عمال الموانئ والمناجم والتوزيع والنقل وغيرها وقطاع التعليم والطلبة والتلاميذ والمتقاعدون وسكان مناطق استخراج المناجم وما ينتج عنه من خراب اجتماعي وبيئي، دون أن ننسى دور النساء خاصة حركة 8 مارس الرائدة، والتنظيمات الذاتية ومنها تنسيقيات أفقية ترتكز على وسائل التواصل الاجتماعي وتلعب دورا لا يستهان به. وقد نجح الحراك في فرض إنهاء الحكومة لحالة الطوارئ التي كانت قد أعلنتها.ويرفع الحراك بقوة شعار ” بنيرا، ارحل”،علما أن القمع خلف العشرات من الشهداء والجرحى (23 شهيدا في نهاية نونبر 2019 وحوالي 2000 من الجرحى) والآلاف من المعتقلين تعرضوا لأسوأ أنواع التعذيب وسوء المعاملة وصلت حد الاغتصاب. والجدير بالملاحظة هو تواطؤ اتجاه الديمقراطية-الاجتماعية وتخاذله بل تثمينه للقمع. أما الحزب الشيوعي، فقد قرر عن حق، مقاطعة جلسات التفاوض مع الدولة. ويختمر داخل الحراك شعار مجلس تأسيسي لبلورة دستور على أنقاض الدساتير السابقة، دستور يؤسس لنموذج تنمية اقتصادية واجتماعية ونظام سياسي جديدين. وقد تم بالفعل التوقيع على اتفاق يقضي بتنظيم استفتاء حول دستور جديد كما تم تخفيض الاقتطاع من أجل التقاعد.

هذا في بلدان تسيطر عليها أنظمة عميلة للأمريكان وتتبع فيها سياسات رأسمالية متوحشة،ولكن ما هي أسباب الاحتجاج في الايكوادور؟

جواب:
الجماهير تحتج هنا أيضا ضد التدابير النيوليبرالية التي شرع في سنها الرئيس “مورينو”. فمنذ بداية أكتوبر 2019،برزت حركة احتجاجية قوية في الايكاوادور ضد قرار الحكومة برفع الدعم عن أسعار المحروقات، وهو أحد شروط واملاءات صندوق النقد الدولي مقابل الحصول الحكومة على قرض بقيمة 4،2 مليار دولار لتخفيض عجز الميزانية. الحراك هنا، تقوده حركات السكان الأصليين وقد اتخذ عدة وسائل منها احتلال حقول البترول وهو من القوة ما اضطر الحكومة إلى نقل مقر أعمالها من العاصمة “كويتو” إلى مدينة أخرى.الايكاودور يعد من البلدان المصدرة للبترول الذي يمثل نسبة هامة من مجموع الصادرات (35 في المائة سنة 2019). ما من شك أن تراجع أسعار البترول على الصعيد العالمي أثر سلبا على اقتصاد البلاد، ولكن هذا السخط يجد جذوره العميقة في حدود الثورة المواطنة في هذا البلدوفي تصور ممارسة السلطة وبرنامجها، من طرف “رفاييل كوريا” لمدة 10 سنوات (2007 – 2017). صحيح أنه عمل على تجاوز النيوليبراليةوالنهوض بالاستثمار العمومي للرفع من الإنتاجية للتقليل من التأثير السلبي للأزمة الاقتصادية العالميةوتراجع أسعار النفط، ولكنه من جهة أخرى بقي سجين منطق استخراج الثروات الباطنية وتوزيع الريع، ومارس على أساس مركزية مفرطة في الدولة وعلى مستوى حزبه (أليانزا بايس) وعمل على تقسيم الحركات الاجتماعية المناوئة له والهجوم عليها وخاصة منها حركات الشعوب الأصلية، وتفشت الرشوة في محيطه وتفاقمت التناقضات والصراعات في صفوف الحزب الحاكم وأنصاره في الدولة بين اتجاه “كوريا” واتجاه خلفه “مورينو” الذي راح يطبق سياسات نيوليبرالية واضحة،منها استعداده لإبرام اتفاق جديدللتبادل الحر مع الولايات.م.أ الذي ألغاه سلفه، فضلا عن رفع الدعم عن المحروقات الذي أشعل فتيل الحراك. كل هذا في وقت تصاعدت فيه قوة اليمين بسيطرته على البرلمان وتوحيد منظمات الباطرونا لخطواتها ومبادراتها.

السؤال 3 : هل من قواسم مشتركة، في نظركم، بين تجاربالثورات المواطنة خاصة في أساليب عملها وفي علاقتها بالرأسمالية والامبريالية الأمريكية على الخصوص ؟

جواب:
تبلورت التجارب الشعبوية التقدمية في أمريكا اللاتينية على أنقاض النيوليبرالية وهي مناهضة للامبريالية الأمريكية على وجه الخصوص، وقد وصلت للسلطة عموما عن طريق الانتخابات (=الثورة المواطنة) بفضل الحركات الاجتماعية للشعوب الأصلية والفلاحين والطبقات الشعبية الحضرية. وشكلت ظاهرة لم تحدث في أي قارة أخرى.

أعطت هذه التجارب، الأولوية للدور الاجتماعي والاقتصادي للدولة وإعادة هيكلة القطاع العمومي خاصة الصحة والتعليم وتطوير البنيات التحتية. ونجحت في بعض الحالات في تقليص الفقر والفوارق الاجتماعية وتحسين نسبي لظروف عيش عامة الشعب خاصة خلال فترة ارتفاع أسعار البترول. ورفعت شعارات التعددية الثقافية وحق الطبيعة والعيش أفضل وتم التنصيص عليها دستوريا في بعض الحالات ( بوليفيا، الايكوادور).

هذه التجارب هي طبعا متفاوتة، ففنيزولا مثلا تميزت بمشاركة شعبية أوسع بما في ذلك في صرف جزء من ميزانية الدولة ومحاولة إرساء نموذج تطبيب شعبي مجاني رهن إشارة المرضى في أحيائهم السكنية وذلك بفضل أطباء كوبيين. فيما تجربة البرازيل هي أقرب إلى الديمقراطية- الاجتماعية (مثلا وزيرة الفلاحة في عهد ديلما روسف سبق لها أن كانت هي الناطقة باسم ملاكي الأراضي الكبار في البرلمان).

وقد تم تحقيق الانجازات المشار إليها بفضل ارتفاع أسعار البترول والمواد الأولية وبعض المواد الفلاحية الموجهة للتصدير.

وللتصدي للامبريالية الأمريكية، عملت البلدان المعنية على الاندماج فيما بينها عبر أشكال متنوعة مثل مجموعة الائتلاف البوليفاري لشعوب أمريكا اللاتينية (الألبا) ومجموعة بلدان أمريكا اللاتينية والكرايبي واتحاد بلدان أمريكا الجنوبية. ولم تتوفق في إحداث عملة موحدة وبنك وسوق مشتركة للجنوب، أساسا بسبب تلكؤ البرازيلالتي فضلت الاندماج في البريكس.

النزوع نحو الإنتاجوية والإفراط في الاعتماد على استخراج الثروات الباطنية، كان له أثر تخريبي للطبيعة. وأدى هذا التصور للتنمية إلى تضخم جهاز الدولة وتفشي المحسوبية والرشوة والنزوع نحو السلطوية وتقديس الشخصية.

ورغم بعض المحاولات لإنتاج المواد المستوردة (الاكوادور ، بوليفيا، نيكاراكوا)، فإن ذلك ظل بعيدا عن تحقيق الأهداف المرجوة وقطع خطوات حاسمة للتخلص من التبعية (على سبيل المثال،تستورد فنزويلا 70 في المائة من حاجياتها الغذائية).

طبعا من بين العوامل الموضوعية المفرملة لهذه التجارب، هناك دور الإمبريالية الأمريكية، وهو دور مرئي وكبير ولا يحتاج إلى تفسير.ولكننا نعتقد أن العوامل الذاتية الباطنية هي الأساس وتكمن في كون هذه التجارب سجنت نفسها في تصور للتنمية قاصر وغير قادر على مجابهة الإمبريالية الأمريكية، تصور يعتمد على استخراج الثروات الباطنية للأرض وتوزيع الريع بدل المضي قدما من موقع السلطة في إجراءات عميقة من إصلاح زراعي جذري وتأميم للقطاعات الاستراتيجية والأبناك وفرض رقابية مجتمعية صحيحة ومتقدمة على وسائل الإنتاج وأشركتها وتطهير صفوف الجيش والأمن والإدارة من الخونة والعملاء والمفسدين. إن حالة بوليفيا تدعو للحسرة، فالرئيس موراليس الذي عاند للترشح للمرة الرابعة على التوالي،وتمت إقالته على اثر انقلاب عسكري بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يعرف قبل غيره أن بلده عرف منذ 1825 إلى 2019،ما بين 180 و 200 انقلاب أو محاولة انقلاب، فكيف لم يعمل طيلة فترة حكمه على إعادة هيكلة جهاز الجيش بشكل جذري؟

السؤال 4: ما هي في رأيكم الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من التجارب التي ذكرتم؟

جواب:
في رأييهذه التجارب التي على ما يبدو أكملت دورتها، حاولت القطع مع الرأسمالية المتوحشة (النيوليبرالية) مع البقاء في الرأسمالية، أي أنها تعمل في الواقع على أنسنة الرأسمالية وليس على تجاوزها وهذا عطبها الأساسي. إنها تجارب شعبوية تقدمية لم تستند إلى الماركسية وإلى الطبقة العاملة وحلفائها من عموم الكادحين والشعوب الأصلية. وربما هذا ما يفسر أنه ولا تجربة واحدة من هذه التجارب استطاعت اتخاذ قرارات تماثل من حيث عمقها تلك التي اتخذتها كوبا رغم تحرشات الامبريالية الأمريكية وحصارها الجائر والطويل على هذا البلد. هذا ونشير إلى أن نقدنا لهذه التجارب التقدمية ينطلق من غيرة صادقة على مستقبل الاشتراكية في العالم وأننا نتضامن معها ضد محاولات الإدارة الأمريكية وأجهزتها وعملائها لخنق هذه التجارب (التضامن معفنيزويلا ومع “لولا” والمشاركة في “بريكس” الشعوب، أسبوع حول مناهضة الامبريالية أواخر شهر ماي…).