السودان: حتى لا يتكرر فشل الفترة الانتقالية (3/4)

السودان: حتى لا يتكرر فشل الفترة الانتقالية (3/4)

السودان: حتى لا يتكرر فشل الفترة الانتقالية (3/4)

أشرنا في الحلقة السابقة إلي أن السلام المستدام رهين بترسيخ الديمقراطية، الحل العادل والشامل الذي يخاطب جذور المشكلة، إلغاء حالة الطوارئ وكل القوانين المقيدة للحريات، نزع السلاح وحصره في يد الجيش واحتواء الصدامات القبلية، حل كل المليشيات وفق الترتيبات الأمنية، التنمية المتوازنة ودولة المواطنة التي تسع الجميع، عودة النازحين لقراهم وحواكيرهم، وإعادة تأهيل مناطقهم وإعادة المستوطنين لمناطقهم، تكوين مفوضية السلام وحل مجلس السلام الحالي وإشراف مجلس الوزراء علي السلام، تحديد نصيب المناطق من الاستثمارات فيها لتنمية المنطقة، تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية وتوفير خدمات الصحة والتعليم والخدمات البيطرية وخدمات المياه والكهرباء،

الإسراع في عقد المؤتمر الاقتصادي، المحاسبة وتقديم البشير ومن معه للجنايات الدولية، أن تكون المفاوضات في الخرطوم بمشاركة الجميع بعيدا عن التدخل الدولي، قيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية لمعالجة قضايا الحكم والدين والدولة والهوّية، التوافق علي دستور ديمقراطي يكفل الحقوق والحريات الأساسية، والتوافق علي قانون انتخابات ديمقراطي لقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.

وهذا يقودنا إلي تحدى العلاقة بين المكون العسكري والمدني، فما هو ذلك التحدي؟

جاء انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد ليقطع الطريق أمام وصول الثورة لأهدافها، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، وأسفر التفاوض الذي تمّ بضغوط داخلية وخارجية عن وثيقة دستورية حددت العلاقة بين المكون العسكري والمدني، وجعلت كفة العسكري هي الراجحة، وتراجع دور المكون المدني الذي أصبح دوره هامشيا، بل تغول المكون علي العسكري علي بعض صلاحياته، كما جاءت “الوثيقة الدستورية” مفارقة لميثاق “إعلان الحرية والتغيير”، بتقليص الفترة الانتقالية من أربع إلي ثلاث سنوات، وكرّست ” الهبوط الناعم” الذي أعاد إنتاج سياسات النظام السابق القمعية والاقتصادية التي تعبر عن مصالح الرأسمالية الطفيلية والتبعية لمؤسسات الرأسمالية العالمية وبيوتات خبرتها مثل: البنك وصندوق النقد الدوليين ..الخ، والتي تهدف إلي التوجه الخارجي لاقتصادنا، وإغراق البلاد في المزيد من الديون الخارجية التي تجاوزت 58 مليار دولار، والمزيد من إفقار شعبنا وفرض سياسة التحرير الاقتصادي وسحب الدعم عن السلع الأساسية والتعليم والصحة، ونهب موارد البلاد وثرواتها، إضافة للإبقاء علي التحالفات العسكرية الخارجية مثل: البقاء في الحلف العربي الإسلامي لحرب اليمن، واستمرار إرسال جنودنا لها في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وفي قوات الافريكوم وبقاء القواعد العسكرية واتفاقات التعاون الاستخباراتي التي تفرط في سيادتنا الوطنية.
هذا إضافة لسلبيات المحاصصات التي تمت في تكوين مجلسي السيادة والوزراء، وتجاهل الحركات المسلحة،والتعديل الذي تمّ في الوثيقة الذي أعطى مجلس السيادة حق تعيين رئيس القضاء والنائب العام، واستمرار القمع للاحتجاجات السلمية، والتهاون في مواجهة عناصر المؤتمر الوطني والتمكين في كل مفاصل الدولة، والثورة المضادة التي أطلت برأسها كما في النشاط السافر للجماعات التكفيرية “الداعشية”، والنشاط المدمر للرأسمالية الطفيلية الإسلاموية في تهريب السلع من ذهب ودقيق ووقود.. الخ، وخلق أزمات في المعيشة والخدمات، وخلق الفتنة القبلية في الشرق والقمع والاغتصاب في دارفور، وفي جنوب كردفان، والدعوات للانتخابات المبكرة والانقلاب علي الحكومة الانتقالية بهدف نسف الفترة الانتقالية، وفشل المكون العسكري في حفظ الأمن ولجم تخريب عناصر المؤتمر الوطني كما في المسيرات المسلحة للزحف الأخضر، ووقف التجمعات والمواكب التي تسيرها عناصر المؤتمر الوطني وعدم التشدد في الوقاية الصحية من وباء كرونا، والهجوم علي وزير الصحة أكرم علي التوم والمطالبة بإقالته وخلل تحميله مسؤولية الزيادة في حالة “الكرونا” في ظروف الإمكانيات الضعيفة، وعدم إحكام قبضة السلطات الأمنية في وقف التجمعات ومسيرات فلول النظام البائد.

كما استحوذ المكون العسكري في السيادي في ” الوثيقة الدستورية” علي 5 في المجلس السيادي، وحق تعيين وزيري الداخلية والدفاع، وعلي تكوين مفوضيات مهمة ( السلام – الحدود – الدستوري والمؤتمر الدستوري- الانتخابات)، وتقنين مليشيات الدعم السريع دستوريا، والإشراف على الإصلاح في القوات النظامية، وإذا أخذنا في الاعتبار شركات الجيش والأمن والدعم السريع، نرى أنه القابض فعليا علي السلطة.

رغم عيوب “الوثيقة الدستورية” المشار لها، إلا أنه لم يتم الالتزام بها، وتم خرقها كما في الآتي علي سبيل المثال لا الحصر:

• التعديل حول تعيين رئيس القضاء والنائب العام.
• تغول السيادي علي مهام داخلية وخارجية هي من صلاحيات مجلس الوزراء
• تأخير تكوين التشريعي، إضافة للمحاولة الأخيرة لتعديل نسب التشريعي التي تعطي قوى التغيير 67 % من 300، بإعطاء الحركات المسلحة 30 %، لتكون ال 67 % من 210 ليكون نصيب ق.ح.ت 141، أي أقل من النصف، وهذا خرق واضح ل”لوثيقة الدستورية”.
• تأخير تكوين الولاة المدنيين.
• لقاء البرهان – نتنياهو دون الرجوع للمؤسسات القائمة في مسألة قومية.
• طلب حمدوك لبعثة الأمم المتحدة تحت الفصل السادس دون الرجوع للمؤسسات.
• تغول السيادي في ملف السلام علي صلاحيات مجلس الوزراء الذي من مهامه “العمل علي إيقاف الحروب والنزاعات وبناء السلام” كما جاء في “الوثيقة الدستورية”، وخرق “الوثيقة الدستورية” في عدم تكوين مفوضية السلام، والاستعاضة عنها بمجلس للسلام، وتوقيع اتفاق مع الجبهة الثورية أدي لتأخير تكوين المجلس التشريعي وتعيين الولاة المدنيين.
• لم يتم تحقيق السلام في الستة أشهر الأولي من تكوين الحكومة كما جاء في “الوثيقة الدستورية”.
• خرق “الوثيقة الدستورية” في تعيين وزراء دولة،علما بأن الوثيقة الدستورية نصت علي أن لا يتجاوز عدد الوزراء 20 وزيرا.
• الانتهاكات لحق الحياة كما جاء في وثيقة الحقوق في “الوثيقة الدستورية” بقمع المواكب السلمية مما أدي لشهداء وجرحى كما تمّ في مواكب الأبيض، السوكي، واستمرار الانتهاكات في دارفور والشرق وجنوب كردفان. الخ.
• استمرار تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والغلاء والشح في الدواء وارتفاع أسعاره وارتفاع سعر الدولار مع الانخفاض المستمر للجنية السوداني، رغم أن “الوثيقة الدستورية” أشارت لتحسينها، ورغم المصفوفة والآلية الاقتصادية التي تمّ تكوينها.
• البطء في تفكيك التمكين واستعادة الأموال والأصول المنهوبة، وعدم ضم شركات القوات النظامية والذهب والبترول والمحاصيل النقدية للمالية، علي عكس ما جاء في “الوثيقة الدستورية”.

السودان: حتى لا يتكرر فشل الفترة الانتقالية (2/4)