حول المركزية الديمقراطية

حول المركزية الديمقراطية
التيتي الحبيب

حول المركزية الديمقراطية.

1- “لندع العاطفيين يندبون حظهم ويشتكون: المزيد من الصراعات! المزيد من الخلاف الداخلي! المزيد من الجدل! نجيب: بدون صراعات جديدة ومتجددة باستمرار، لن يتم تشكيل أي ديمقراطية اشتراكية ثورية على الإطلاق “لينين، الأعمال الكاملة (بالروسية)، الطبعة الثالثة، المجلد الثاني عشر ، ص. 393.

2- “لا يمكننا أن نرتبط بأناس يقولون علنا بأن العمال جاهلون جدا لتحرير أنفسهم، يجب أن يحرروا من فوق” ماركس. نقد برنامج غوتا.

3- لا يمكننا ان نثق في من يرفض المركزية الديمقراطية عندما يدعي انه يسعى لبناء الحزب المستقل للطبقة العاملة المغربية. لانه ببساطة يجرد العمال من سلاح التنظيم.

4- كتب احدهم ما يلي:
“عوض الانكباب على معالجة التناقضات الجديدة التي فجرتها العولمة الرأسمالية، وفي ذات الوقت تجاوز كبوات الفكر الاشتراكي بعد انهيار “الاشتراكية الفعلية”، عوض ذلك انغلقت على ذاتها، وظلت في جوهرها متشبثة بإيديولوجية المرحلة السابقة قبل انهيار “الاشتراكية الفعلية”، ولعل استمرارها في ترجمة الخط التنظيمي المبني على قاعدة “المركزية الديمقراطية” يعتبر أحد الأسباب العميقة في تفقير مواردها الإستراتيجية، لقد أثبتت التجربة على اختزال “المركزية الديمقراطية” في صنع القرار الاستراتيجي بجعله محصورا على فئة قليلة تقود التنظيمات اليسارية وفق خط سياسي لا يخضع للتطور حسب مستجدات الوضع السياسي،…”

وهذا ردنا عليه:

راهنية الأطروحات اللنينية في المسألة التنظيمية.

1- (….). إن مهمة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين يجب ان تصبح مهمة مركزية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ولأجل ذلك لا بد من حسم مسألتين اراهما جوهريتين: اولاهما تتعلق بمفهوم العضوية، وثانيهما طبيعة العلاقات التي يجب ان تحكم بنية التنظيم والتي تتعلق بمبدأ المركزية الديمقراطية او ما هو المضمون الذي يتوجب علينا العمل على احترامه وتجسيده في العلاقات الداخلية للتنظيم.

2- إن المسألتين المشار اليهما اعلاه تعتبران حجر الزاوية في بناء التنظيم وهو ما تأكده كل التجارب السابقة والحاضرة والتي حظيت بالدراسة والتقييم. ولأننا جزء من الحركة الشيوعية العالمية، فإننا نتوفر على اهم ما انجز عبر التاريخ المعاصر من حيث الدروس المستقاة من النجاح الباهر او الفشل المحبط. وفي هذا المضمار تعتبر اللبنات التي وضعها لينين في نظرية التنظيم هي من اغنى المساهمات والتي باتت اليوم تلهم كل المفكرين او المشتغلين في مجال التنظيم ومن بينهم الخصوم والأعداء، لأنها نظرية تمكن في التطبيق العملي من تحقيق نتائج باهرة. بدورنا نعتمد هذه النظرية ونحن مقتنعون ان لينين وضع حجر الزاوية في القضايا التنظيمية وهي نظرية تتطلب التطوير والتعميق حين تتملكها الجماهير. إن التسلح بالخبرة التاريخية يعتبر مسالة جوهرية، لأننا نبني على قاعدة تاريخية مشتركة ساهم فيها العديد من المناضلين والقادة الشيوعيين على الصعيد الأممي. وبالاعتماد على ذلك الرصيد التاريخي نكون فعلا منتمين إلى تلك الأممية بما حققته من انتصارات على البرجوازية وعلى الامبريالية والاستعمار وبما حصدته من فشالات وانتكاسات مؤقتة. واستلهام تلك الدروس لا يعني الاستنساخ البليد أو العاجز على استيعاب جوهرها كدروس. كلما تعاملنا معها كمرشد كلما ساهمنا في جعلها نظرية حية تساعدنا على تغيير العالم وتجنبنا آفة التحنيط وعبادة النصوص.

أولا حول العضوية

(….)
خاض لينين صراعا لا هوادة فيه حول مفهوم العضوية، وقد كان هذا المفهوم من ابرز القضايا التي تناولها في كتابه مالعمل؟

وباختصار يشترط لينين في عضوية أي شخص أن يكون منتميا لأحد إطارات الحزب. وليس هناك أعضاء في التنظيم لا يشتغلون في احدى خلايا أو لجان الحزب لهم حقوق وعليهم واجبات، ويتحملون مسؤوليات محددة وواضحة، يخضعون للمحاسبة عليها يقومون بنقد سياسات وممارسات الحزب ويقومون بالنقد الذاتي من اجل إصلاح أخطائهم، يمارسون ضمن المركزية الديمقراطية. فهذا المبدأ الأولي والأساسي عندنا من الأعضاء من لا يخضع له ونحن نتغاضى على ذلك. لقد أصبح مستعجلا معالجة هذا الأمر لأنه سيساعدنا على التوسع وتنمية العضوية داخل التنظيم.

ومن اجل استكمال الاستئناس بالتجربة اللينينية في مجال مسألة العضوية اقترح على الرفيقات والرفاق في إطار تكوينهم الشخصي ومن بعد ذلك في إطار التكوين الجماعي دراسة إحدى الوثائق التاريخية التي صاغها لينين حول العضوية في الأممية الشيوعية الثالثة التي ساهم في بنائها وكان له دور محوري في قيادتها.

ومن بين القضايا المثارة اليوم في صفوفنا ونحن مقدمون على تجربة بناء المجلس العمالي وبالطبع الكل يتفق على أن العمل النقابي يعتبر أحد أهم المداخل إلى ذلك، لكن عملنا في المجال النقابي أصبح موضوعا للتقييم واستخلاص الدروس، لأننا لما نحلل كيف استطاعت البيروقراطية المتعفنة داخل إ.م.ش (الاتحاد المغربي للشغل) أن تطردنا من المركزية ولما نتمعن في الوضعية الهامشية التي نحن عليها داخل الكدش؛ لما نتأمل في هذه الحصيلة وفي التضحيات الهائلة التي يقوم بها رفاقنا الذين يقودون النضال على هذه الواجهة، كل ذلك يجعلنا نعتبر أننا كتنظيم لم نعطي للأمر الأهمية التي يستحق ولم ندرس التجربة اللينينية في هذا المجال كما صاغها لينين في وثيقة العضوية في الاممية الشيوعية الثالثة. (انظر المرجع الاول).

النقطة التاسعة:
.”من واجب اي حزب يود أن ينضم إلى الأممية الشيوعية أن يؤسس عملا شيوعيا صارما ولا متناهيا في النقابات العمالية والمنظمات الجماهيرية الأخرى. يجب ان يتم تأسيس الخلايا الشيوعية في النقابات العمالية، وبعملهم الشيوعي الصارم في تلك النقابات يتم تحويل النقابات إلى صالح القضية الشيوعية. في كل مرحلة، يوما بعد يوم يجب فضح الاشتراكيين الوطنيين وخطر الإصلاحيين. تلك الخلايا يجب ان تكون تابعة للحزب بشكل كامل”… (انظر المرجع الاول).

تحيلنا هذه الخلاصة الى مسائلة عملنا في النقابة وإعادة تقييم أداء رفاقنا الذين في الغالب يشتغلون كمناضلين نقابين متناسين أنهم شيوعيين وان من واجبهم بناء الخلايا العمالية في نقاباتهم وبذلك يحافظون على استقلالية نقابتهم تجاه البرجوازية والنظام وأحزابهم الإصلاحية لأننا نحن من يمثل مصالح الطبقة العاملة.
(….)

ثانيا حول المركزية الديمقراطية وقضية التيارات.

إن الحزب الذي ننشد بناءه هو حزب ذو مواصفات خاصة لأنه حزب يعبر عن مصالح الطبقة العاملة وهي الطبقة الحاملة لمشعل التغيير الثوري والذي يهدف الى القضاء على استغلال الانسان لأخيه الانسان وقيام المجتمع الشيوعي. ومما يزيد من التأكيد على راهنية مهمة بناء مثل هذا الحزب هي ضرورة التفاعل مع السيرورات الثورية الجارية بعالمنا العربي وما كشفته حركة 20 فبراير من عجز قاتل لليسار لتحمل مسؤوليته التاريخية – بل مرة أخرى سجل على هذا اليسار بأنه اخلف موعده مع التاريخ، وهو خطأ لا يغتفر-.

وكما تعلمنا التجربة التاريخية، فان القوة السياسية الوحيدة المؤهلة لقيادة الطبقة العاملة نحو النصر على أعدائها الطبقيين، هو حزبها السياسي المستقل والذي يمتلك القدرة على تحليل مجريات الأحداث الاجتماعية التي تجري أمامه ويستطيع أن يتلمس ويصوغ المهام الواجب انجازها من اجل التحضير لكل تطور قد يحدث في موازين العلاقات الطبقية.

وهو القوة القادرة على التخطيط الاستراتيجي وعلى استحضار المفاجئات التي يمكن أن تحصل والتي سيكون من نتيجتها عند عجزه أو تخلفه عن تحمل مسؤولياته في قيادة الثورة، أن يفلت زمام المبادرة من بين يديه فتفشل الثورة، لان هناك قوى دائما متربصة، كما هو حاصل اليوم في مصر واليمن وسوريا…

وحزب من هذه الطينة لا بد وأن تسود داخله علاقات تجسد بالضبط ذلكم المجتمع الذي يريد قيامه اي حزب تجد فيه معضلة الفرد/الجماعة حلها السديد، والتي تجسدها واقعة ان الفرد يحقق ذاته بانصهاره في الارادة الجماعية، والجماعة تصبح حقيقة فاعلة وقوة منتجة لكل اسباب التقدم والحرية والتطور، بفعل تنوع وغنى وإبداع الافراد المتحدين طواعية وبإرادتهم وباقتناعهم الراسخ.

والحزب المؤهل للقيام بمثل هذه المهام وقيادتها بنجاح هو ذلك الحزب المبني على قاعدة صلبة وراسخ جماهيريا وسط الطبقة العاملة يتحرك كهيأة أركان عامة تقود حرب الصراع الطبقي بنجاح، وبانضباط مبني على قناعات أعضائه، المعتمدين بشكل خلاق، عند تحديد الأهداف ورسم الخطط عبر النقاش الديمقراطي الحر والنزيه وهو النقاش الذي يضمن له الحزب كل الوسائل من اجل ان يجري بدون عراقيل ولا كوابح ولا خطوط حمراء او موانع. وأساس هذه الضمانة هو ان يجري داخل الخلية باعتبارها البنية الاساس، ثم يعمم على باقي الاطارات وعبر الوسائط من جريدة مركزية ونشرة داخلية وندوات ومؤتمرات محلية وجهوية ووطنية. انها لحظة البناء وتكوين الموقف، وهو نقاش واسع تتم فيه عملية الاقناع والاقتناع وتتشكل حوله الاستقطابات فتتقارب الرؤى بين البعض وتتعارض او تتباين مع الاخرين وتبرز وجهات نظر واتجاهات يسمح لها بالتعبير الحر والنزيه وان تنظم النقاش والصراع الفكري الرفاقي. لكن كل هذه الحركية والدينامية محكومة بغاية واحدة وهي التوجه للممارسة عبر خطة وبرنامج.وهي لحظة في غاية من الاهمية تتطلب الحسم في النقاش واتخاذ القرار المناسب، وهذه اللحظة يتم فيها الحسم بفرز الموقف الغالب والعام، والذي يجب الانضباط الحديدي له وتطبيقه بشجاعة وكفاءة من طرف الجميع، يستوي في ذلك من كان متفقا ومن كان معارضا او مختلفا. انها لحظة المركزية المبنية على الانضباط الواعي والإرادي ايضا.لكنها ستبقى لحظة مركزية منفلتة من اية مسؤولية ومحاسبة اذا لم ترتبط بشرط التقييم وتفعيل مبدأ المراقبة والمحاسبة وهي عملية مهمة جدا تحفظ للأقلية المنضبطة حقها.وفي هذه اللحظة يفعل احد اهم اسلحة التنظيم التي تميز الحزب الشيوعي الحقيقي عن سواه من الاحزاب وهو سلاح النقد والنقد الذاتي.وبذلك يستطيع الحزب عند تقييم ممارساته وأفعاله عبر نقدها الى استنتاج هل كانت خططه صائبة ام خاطئة فإذا كانت صائبة يتوجب على الاقلية مراجعة موقفها الاول وتصويب نظرتها واستخلاص الدرس للقادم من الممارسات، وإذا كانت خاطئة فعلى الاغلبية ان تقوم بالنقد الذاتي الصريح والنزيه وتستخلص منه ما يتعين عليها فعله من اجل تصحيح ما ترتب عن مسؤولياتها، وضرورة اعادة الاعتبار لموقف الاقلية اذا اتضح انه هو الاصوب والأنسب.

ففي هذا التصور للتطبيق الحي والخلاق لمبدأ المركزية الديمقراطية (نورد هنا مقال “دفاعا عن المركزية الديمقراطية” لكريس هارمان يناقش فيه المفكر اليساري ريتشارد كوبر الذي يرفض المركزية الديمقراطية انظر المرجع الثالث) عالجنا مسالة فتح النقاش والصراع الفكري والسياسي المنظم والرفاقي والسماح ببروز اتجاهات تركز وجهات النظر فتظهر الاتجاهات بين الاغلبية والاقلية. لكن هناك من يرى حتمية الذهاب بالمسلسل الى مداه وتبني سياسة العمل بالتيارات داخل الحزب الواحد ومن بين ابرز دعاة هذا التوجه ليون تروتسكي بحيث دافع على وجود التيارات وسعى الى الانتظام على هذا الاساس في التجربة الروسية نفسها. وقد طورت الحركة التروتسكية هذا المنظور الى حد اصبح بالنسبة لهم كريدو ينظم فهمهم للتنظيم وللحزب. ومن اجل تقديم احد نماذج طرحهم للمسالة نعرض لما قدمه جون مولينو في مقالة “حول ديمقراطية الحزب” المنشورة في مجلة «الاشتراكية الأممية»، ترجمة ماهينور المصري 14 يونيو 2011. (انظر المرجع الثاني)

“في كتابه الثورة المغدورة، 1936 يؤكد تروتسكي على أن: النظام الداخلي للحزب البلشفي كان يتسم بالمركزية الديمقراطية. الجمع بين هذين المبدأين، الديمقراطية والمركزية، ليس بأي حال من الأحوال متناقضا. لقد انتبه الحزب ليس فقط إلى أهمية ترسيم جدوده بصرامة، وإنما أيضا إلى حق كل من انضم في إطار هذه الحدود أن يتمتع بحق فعلي في تحديد اتجاه سياسة الحزب. لقد كانت حرية النقد والصراع الفكري تشكلان عنصرين لا تنازل عنهما في ديمقراطية الحزب. الاعتقاد السائد بأن البلشفية لا تسمح بالتكتلات هو خرافة مرتبطة بانحدار مرحلة. فالواقع أن تاريخ البلشفية هو تاريخ من صراعات الفرق المختلفة، فكيف يعن لمنظمة ثورية أصيلة، تحمل نفسها مهمة تغيير النظام في العالم وتوحيد أكثر الثوار والمناضلين والمتمردين جرأة تحت رايتها أن تحيا وتتطور بدون صراعات فكرية، بدون مجموعات وتشكيل تكتلات مؤقتة؟”. التسطير من عندي. (انظر المرجع الثاني).

قبل التطرق لمسألة التيارات، فانني انصح بدراسة هذه المقالة لأنها اولا بقلم احد قادة الحركة التروتسكية و هو ما سمح له بتكوين نظرة دقيقة عن مختلف الفصائل التروتسكية وجعله يقف على حقيقة تشرذمها وصعوبة اشتغالها واندماجها فيما بينها او داخل الاحزاب التي كانت جزءا منها، ثم بالاضافة الى وقوفه على قضايا جوهرية بالنسبة لمفهوم الحزب عند لينين باعتباره حزب المناضلين العنيدين المنخرطين في مهام الثورة باعتبارها في جدول اعمالهم.

أما حول مسألة التيارات التي تهمنا في هذا المستوى من التحليل، فإن الادعاء كما جاء في الفقرة التي اوردناها من المقالة بان البلشفية اقرت التكتلات داخل الحزب، فهو ادعاء لا يجد سندا له في الواقع بل هو تغليط وقفز عن الحقائق كما عاشها الحزب البلشفي. ان التكتل بمعناه الضيق هو انتظام مجموعة من الاعضاء في علاقات سياسية وفكرية توحدها قناعات مشتركة متميزة عن ما هو مشترك وعام داخل الحزب.ولتطوير هذه القناعات واستخلاص البرامج تسعى هذه المجموعة الى تنظيم لقاءات خاصة بأعضائها وقد تكون تلك اللقاءات سرية او شبه سرية او حتى علنية. ويتم التعبير عن تلك القناعات وتصريفها داخل الحزب بطريقة منظمة ومنسجمة ولتغليبها تتم الدعاية لها وسط الحزب وخارجه لحشد الاصوات بل التحريض من اجل التجييش ويصبح هذا التكتل تيارا مميزا له خطه السياسي والفكري وله قنواته التنظيمية. انه حزب داخل الحزب. هل هذا هو حال الحزب البلشفي الذي يدعي الكاتب انه كان يقر التكتلات؟

إن تاريخ الحزب البلشفي معروف بدقة لأنه خضع الى التحليل والتمحيص من طرف اعضاءه ومن طرف باحثين اجانب. وهذا التاريخ يبرز انه كان تاريخ صراع بين توجهات او اتجاهات يحصل بصددها تقاطب بين اقلية واغلبية وكانت ساعة الحسم تنهي ذلك التقاطب المؤقت لتفسح المجال الى بروز تقاطبات اخرى ليس بالضرورة ابطالها هم نفسهم في التقاطبات السابقة. ولما حصل ان شهدت فترة معينة من تاريخ الحزب استقرار تقاطب معين ليتحول الى وضع ثابت وآخذ في الاستفحال، حتى اصبح عبارة عن صراع بين تيارين، حصل الانفجار وانشق التياران ليفسحا المجال لبروز حزبين متباينين احدهما الحزب البلشفي في مقابل تنظيم المناشفة.

ان التجربة التاريخية تبين ان جميع الاحزاب التي منعت التكتلات او التيارات استطاعت ان تكون احزابا قائدة للصراع السياسي والعسكري والفكري بكفاءة وقتالية مكنت من الانتصار على الاعداء الطبقيين او القوى الغازية الاستعمارية مثل ما حصل مع الاحزاب الشيوعية في الصين وفيتنام وكوريا وكوبا، بينما كل الاحزاب التي سمحت بوجود التيارات داخل بنيتها لم تستطع انجاز اي تقدم يذكر في مجال قيادة الصراع الطبقي والاستيلاء على السلطة في اي بقعة من العالم.بل انها احزاب لم تعمر وسرعان ما انفجرت لتتناسل منها احزاب ومجموعات متنافرة ومتطاحنة. ولعل التجربة التروتسكية على الصعيد العالمي خير شاهد على ذلك، بل اذا نظرنا الى الوضع بالمغرب يتضح لنا ما تعيشه الحركة التروتسكية من تشرذم رغم حداثة عهدها.

بالإضافة الى هذه الحركة فان كل الاحزاب المغربية التي تبنت اختيار التيارات تقدم الدليل على فشلها بل استحالة اشتغالها كأحزاب حقيقية، وهو ما برهنت عليه الحركة الاتحادية منذ الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي فرخ مجموعة من الاحزاب لا زالت تتشظى لما يعرف اليوم بالحركة الاتحادية، وأخر تجربة هي تجربة حزب الاشتراكي الموحد والذي لم تمضي على تبنيه التيارات إلا بضعة سنوات ليصبح اليوم عبارة عن حزب الطرد المركزي، كل يوم نرى اجزاء تتطاير في عنان السماء. ومن غرائب الامور اننا لا زلنا نرى من يتشبث بضرورة بناء الاحزاب اليسارية على قاعدة التيارات لان ذلك هو الرد السديد على اعطاب اليسار. ان هذا الكلام هو لأحد ضحايا انشطار الاشتراكي الموحد الذي لم يقبل بتيار صاحب هذا الكلام. (انظر في المرفق المرجع الرابع فقرة من مقال “اختيارنا الاشتراكي جدل النظري والممارسة” لمحمد الوافي)

وبالاستناد إلى التجربة التاريخية عبر العالم، وباستحضار التجارب الرائدة لتلك الأحزاب التي استطاعت أن تنجز مهامها بأنجع الطرق، نجد بشكل واضح وجلي ان الأحزاب التي نجحت في ذلك، هي تلك التي تجنبت تعدد التيارات، وأجابت على ضرورة وحيوية توفير الحياة الديمقراطية الحقيقية وسطها، عبر التطبيق الخلاق لمبدأ المركزية الديمقراطية كما صاغه ودافع عليه بشراسة لينين.

ومما يعزز هذا التوجه، من جهة معاكسة، هو ما عرفته تجارب أخرى حاولت اعتماد العمل بتعددية التيارات، فكانت النتيجة العملية، هي شللها بل انفراط وحدتها، وبذلك ضيعت على نفسها، ذلك الاسمنت الذي يبني قوتها، فتطاحنت تياراتها ولم تستطع تطبيق مبدأ المركزية الديمقراطية – الذي تتدعي أنها تتبناه- عند فرز المواقف وتوجيه حركة نضالها. (ولنا في التجربة التروتسكية نموذجا محليا وعالميا سيساعدنا على استيعاب المسالة ويجنبنا السقوط في التجريبية أو اللاادرية).

التيتي الحبيب
06/01/2021